لماذا قال الله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام "وأخاف أن يأكله الذئب ... الآية" لماذا عرٌف الذئب ولم يقل أخاف ان يكله ذئب ( من الذئاب ) لكن قال الذئب وكأنه يعرف الذئب او ان هناك ذئبا واحدا؟؟ أفيدوني جزاكم الله تعالى خيراً.
أجاب عليه فضيلة الأستاذ محمد إسماعيل عتوك المتخصص في إعجاز القرآن البلاغي.
قوله عز وجل:﴿ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ﴾
أولاً- الذئب حيوان مفترس من الفصيلة الكلبيَّة، وهو كلب بَرِّيٌّ وحشيٌّ . ومن خلقه الاحتيال والنفورُ والغدر . وهو يفترس الغنم . وإذا قاتل الإنسان فجرحه ورأى عليه الدم، ضَرِيَ به فربما مزَّقه . وفيه لغتان: ذئب، وذيب، والأولى هي الأصل، وهي لغة الحجاز، وبها قرأ الجمهور . ومن الثانية قول الشاعر يخاطب جرو ذئب كان قد رباه، واستأمنه على أغنامه بدلاً من الكلب:
أكلت شُوَيْهَتي وربيتَ فينا .. فمن أدراك أن أباك ذيب
ثانيًا- ومعنى ﴿ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ﴾: أن يقتله ويأكل منه . وفعل الأكل يتعلق باسم الشيء، والمراد بعضه . يقال: أكلَه الأسد، إذا أكل منه . قال تعالى:﴿ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ﴾(المائدة: 3)، عطفًا على المنهيات عن أن يؤكل منها . أي: بقتلها . ومن كلام عمر- رضي الله عنه- حين طعنه أبو لؤلؤة:« أكلني الكلب » . أي: عضَّني .
ثالثا- وخصَّ الذئب بالذكر دون غيره، لأنه أغلب ما يخاف منه من الصحارى . وكانت أرضهم- على ما قيل-: مذئبة . أي: كثيرة الذئاب، ولهذا خصَّه بالذكر . وقيل: إنما خصَّه بالذكر، لأنه سبع ضعيف حقير، فنبَّه عليه السلام بخوفه عليه منه على خوفه عليه مما هو أعظم منه افتراسًا من باب أولى .. ولحقارة الذئب خصَّه الربيع بن ضبع الفزاري في كونه يخشاه، لما بلغ من السن ما بلغ في قوله:
والذئب أخشاه، إن مررت به .. وحدي، وأخشى الرياح والمطرا
رابعًا- والتعريف في ( الذئب ) يجوز أن يكون تعريف العهد الذهني، مثل تعريف ( السفينة ) في قوله تعالى:﴿ حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ﴾(الكهف: 71 ) . قال الكلبي:« رأى في منامه أن الذئب شَدَّ على يوسف، فلذلك خافه عليه » . ويجوز أن يكون تعريف الحقيقة، أو الجنس . أي: ذئب من الذئاب . ومثله تعريف ( الإنسان ) في قوله تعالى:﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾(العصر: 2) .
ومثل ذلك على القولين تعريف ( الكهف ) في قوله تعالى:﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ﴾(الكهف: 16 )، فيجوز أن يكون تعريف العهد، بأن كان الكهف معهودًا عندهم يتعبدون فيه من قبل . ويجوز أن يكون تعريف الحقيقة، أو الجنس . أي: فأووا إلى كهف من الكهوف .
والقول الثاني هو الأرجح والأقوى في التعبير عن المراد، وهو أبلغ من التعبير بلفظ النكرة . فلو قيل وأخاف أن يأكله ذئب )، بلفظ النكرة، لما كان له من القوة والبلاغة ما كان لقوله:﴿ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ﴾، بلفظ المعرفة، لأن التنكير ينبىء عن ذئب تافه ضعيف لا ينبغي الخوف منه، فالخوف من ذئب كالخوف من لا شيء، وذلك بخلاف التعريف فإنه ينبىء عن خوف عظيم، لأنه يشمل الذئاب كلها ضعيفها، وقويها .. ومثل هذا التعريف في القرآن كثير، كتعريف ( الحمار ) في قوله تعالى:﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ ﴾(الجمعة: 5)، وتعريف ( الكلب ) في قوله تعالى:﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ﴾(الأعراف: 176). خامسًا- ما وقع من يعقوب- عليه السلام- من هذا القول كان تلقينًا للجواب من غير قصد، وهو على أسلوب قوله سبحانه:﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)(الإنفطار: 6)، والبلاء موكل بالمنطق .. أخرج أبو الشيخ وغيره، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا تلقنوا الناس، فيكذبوا، فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الناس، فلما لقنهم أبوهم كذبوا، فقالوا: أكله الذئب ».