التوحيد أول ما يدخل به العبد في الإسلام
كتب:د. عبدالعزيز بن ندَى العتيبي
إن مفتاح الدخول إلى الاسلام هو شهادة ان لا اله الا الله وهي دعوة الرسل من أولهم الى اخرهم.
الدليل الاول:
ـ1 ادلة عامة في أن التوحيد دعوة الرسل كافة
كان التوحيد اول دعوة الرسل، قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون) (الانبياء: 25)، وقال: (ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) (النحل: 36)، وقال: (واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) (الزخرف: 45)
ـ2 ادلة خاصة في ان التوحيد دعوة كل رسول الى قومه
قال تعالى: (لقد ارسلنا نوحا الى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره) (الاعراف: 59)، وقال: (وإلى عاد اخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الاعراف: 73)، وقال: (والى مدين اخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره) (الاعراف: 85) الى غير ذلك من الادلة.
الدليل الثاني: دعوة محمد صلى الله عليه وسلم للتوحيد
ـ1 روى البخاري (1395)، ومسلم في صحيحيهما (19): من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه الى اليمن فقال: «ادعهم الى شهادة ان لا اله الا الله واني رسول الله، فان هم اطاعوا لذلك، فاعلمهم ان الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فان هم اطاعوا لذلك، فاعلمهم ان الله افترض عليهم صدقة في اموالهم تؤخذ من اغنيائهم وترد على فقرائهم».
- وفي رواية في البحاري (1458): «انك تقدم على قوم اهل كتاب، فليكن اول ما تدعوهم اليه عبادة الله»
- وفي رواية للبخاري (7372): «فليكن اول ما تدعوهم الى ان يوحدوا الله تعالى» ذكر هذه الرواية البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد ـ باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم امته الى توحيد الله تبارك وتعالى.
ـ2 وروى البخاري (1360)، ومسلم في صحيحيهما (24): من حديث المسيب بن حزن رضي الله عنه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ياعم قل لا اله الا الله كلمة اشهد لك بها عند الله»، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي امية: يا أبا طالب! اترغب عن ملة عبدالمطلب؟! فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب اخر ما كلمهم هو على ملة عبدالمطلب، وأبى ان يقول: لا اله الا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اما والله لأستغفرن لك ما لم انه عنك»، فانزل الله عز وجل (ما كان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم)، وانزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين)، ورواه مسلم ايضا في صحيحه (25) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه قل: «لا اله الا الله اشهد لك بها يوم القيامة»، قال لولا ان تعيرني قريش يقولون انما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فانزل الله: (انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء)، ويستفاد من الحديث:
ـ1 انه لو قال لا اله الا الله لخرج من الشرك، وكان من الموحدين.
ـ2 كما ان المعرفة بالله لم تنفع أبا طالب، وكان من اصحاب الجحيم.
ـ3 محبته للنبي صلى الله عليه وسلم، ونصرته لدعوته لم تدخله الجنة.
ولما تقدم من أدلة من الكتاب والسنة نقول نعم التوحيد اولا «اول واجب».
لماذا دعاة علم الكلام لا يرون التوحيد اول واجب على العباد؟
ان توحيد الله ليس هو اول واجب على العباد على اصول اهل الكلام الفاسدة! فكيف نطلب ان يسلموا لاصل الاصول وان يقروا بأن التوحيد اولا. وتوحيد اصحاب البدع يسمونه علم الكلام، كما قرره الفلاسفة، لا كما حرره العلماء الاجلاء من الكتاب والسنة، وان كان اول واجب يعتقدونه ويقررونه هو من صنيع الفلاسفة وارباب الكلام، ومع ذلك هم فيه على خلاف فمن قائل ان:
ـ1 اول واجب معرفة الله تعالى، وهو الواجب الذي حتى ابليس كان على معرفة به، وكذلك فرعون، ولكنه لم يجعل التوحيد اولا، وينطق بلا اله الا الله.
ـ2 اول واجب النظر، اي ان المعرفة بحاجة الى نظر واستدلال، فالنظر الاول زعموا.
ـ3 اول واجب اول جزء من النظر، وذلك بان بداية النظر جزء من النظر، فكان الجزء هو الاول.
ـ4 اول واجب القصد الى النظر، لما كان القصد يسبق المقصود، قالوا هو الاول.
ـ5 أول واجب الشك في الله، اي تبدأ بالشك لتحقيق اليقين، والشك بالله هو الكفر بعينه، ونعوذ بالله من ذلك، فانه على هذا القول جعل اول واجب على العباد الكفر، الى غير ذلك من الاقوال المتهافتة، والهذيان الذي لا تقره ملّة الاسلام، قال تعالى
ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن). (المؤمنون:71)، لفساد أهوائهم واختلافها ، وهذا الشيء الذي ابتدعوه وسموه علم الكلام هو من أشرف علومهم وأفضلها وبه يعرف الخالق سبحانه وتعالى معرفة لم تنفع ابا طالب وابا جهل.(قل لا أتبع أهوآءكم قد ضللت اذا وما أنا من المهتدين)(الانعام: 56). ومنها نعلم مدى بعدهم عن الكتاب والسنة، والهوة الكبيرة بينهم وبين دين الانبياء والرسل.
إنهم يرددون دين الفلاسفة، ويجهلون دين الاسلام، والله يقول
إن الدين عند الله الاسلام)(آل عمران:19). لذلك لا غرابة ان تسمع البعض يقول: بديلا عن التوحيد اولا، النظر اول واجب على العباد، او لمعرفة اولا، او الشك اولا، وهذا الاعتقاد الغريب هو الذي دفعهم الى الاعتراض على ان اول ما يدخل به الاسلام هو لا اله الا الله وان الوحيد اولا، كما حررناه من الكتاب والسنة، وآخرا لما رواه البخاري(5827) ومسلم(94) في صحيحيهما من حديث ابي ذر رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب ابيض وهو نائم ثم اتيته وقد استيقظ فقال:«ما من عبدي قال لا اله الا الله ثم مات على ذلك الا دخل الجنة».
الفرق بين من دينه وحي من الله ومن دينه وحي من أذهان وعقول الفلاسفة
إن من جعل دينه عرضة لشطحات البشر فكن منه على حذر، قال الله تعالى
ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (الجاثية:18). وقال
ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله) (الشورى:15)، وقال: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) (ص: 26)، ومن تبعهم فقد جعل دينه مذهب الفلاسفة وارباب الكلام، واعرض عن الوحي، كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبسبب الاعراض اوتوا عدم الفهم والفقه في الدين، وغرقوا في علم الكلام الذي كله هذيان ينتهي بصاحبه الى الخذلان،(ومن الناس من يجادل في الله بغيرعلم ولا هدى ولا كتاب منير) (لقمان:20). اي بلا عقل صحيح ولا نقل صحيح صريح بل بمجرد الرأي والهوى، فلا تعجب أخي من إنكارهم على من يقول ان العقيدة اولا، والتوحيد اولا، وان اول واجب على العباد ليس لا اله الا الله، بل قرروا اقوال الفلاسفة ومن تبعهم من اهل الكلام وذهبوا الى القول بخلاف الكتاب والسنة، واختلفوا فيما هم فيه ، والحمدلله اولا واخراً.