آداب المشي إلى الصلاة
ص -3- كتاب آداب المشي إلى الصلاة
تأليف: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
باب آداب المشي إلى الصلاة
يسن الخروج إليها متطهرا بخشوع لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدا إلى المسجد، فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة" 1 وأن يقول إذا خرج من بيته - ولو لغير الصلاة-: (بسم الله آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي).
وأن يمشي إليها بسكينة ووقار لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا" 2 وأن يقارب بين خطاه ويقول: اللهم إني أسألك بحق 3 السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الترمذي: الصلاة (386) , وأبو داود: الصلاة (562) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (967) , وأحمد (4/241 ,4/242) , والدارمي: الصلاة (1404 ,1406).
2 النسائي: الإمامة (861) , وأحمد (2/238 ,2/318 ,2/489 ,2/532).
3 جاء في حاشية نسخة أشرف على تصحيحها الشيخ: محمد بن عبد العزيز بن مانع ما نصه: قوله: أسألك بحق السائلين إلخ قد ورد بذلك حديث ولم يجزم تقي الدين ابن تيمية بصحته وذكر غيره أن في سنده (عطية العوفي) وهو شيعي مدلس فلا يعتد على نقله. وعلى تقدير صحته فقد أوله العلماء: بأن حق السائلين الإجابة وحق ممشاي الإثابة ونحو ذلك وإجابة الدعاء والإثابة على الأعمال الصالحة من الله تعالى فلا يحتج به على سؤال الله بأحد من خلقه فهو منهي عنه غير جائز.
ص -4- من النار وأن تغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ويقول: (اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نوراً واجعل في بصري نورا وفي سمعي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا وفوفي نورا وتحتي نورا اللهم أعطني نورا).
فإذا دخل المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى ويقول: (بسم الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. اللهم صل على محمد. اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك). وعند خروجه يقدم رجله اليسرى ويقول: (وافتح لي أبواب فضلك).
وإذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" 1. ويشتغل بذكر الله أو يسكت، ولا يخوض في حديث الدنيا فما دام كذلك فهو في صلاح والملائكة تستغفر له ما لم يؤذ أو يحدث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البخاري: الجمعة (1167) , ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (714) , والترمذي: الصلاة (316) , والنسائي: المساجد (730) , وأبو داود: الصلاة (467) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1013) , وأحمد (5/295 ,5/303 ,5/305 ,5/311) , والدارمي: الصلاة (1393).
ص -5- باب صفة الصلاة
يستحب أن يقوم إليها عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة إن كان الإمام في المسجد وإلا إذا رآه، قيل للإمام أحمد قبل التكبير تقول شيئا؟ قال: لا، إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا عن أحد من أصحابه، ثم يسوي الإمام الصفوف بمحاذاة المناكب والأكعب.
ويسن تكميل الصف الأول فالأول وتراص المأمومين وسد خلل الصفوف ويمنة كل صف أفضل، وقرب الأفضل من الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى" 1. وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، ثم يقول وهو قائم مع القدرة: "الله أكبر" لا يجزئه غيرها، والحكمة في افتتاحها بذلك ليستحضر عظمة من يقوم بين يديه فيخشع. فإن مد همزة الله أو أكبر أو قال: إكبار لم تنعقد، والأخرس يحرم بقلبه ولا يحرك لسانه وكذا حكم القراءة والتسبيح وغيرهما.
ويسن جهر الإمام بالتكبير لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كبر الإمام فكبروا" 2 وبالتسميع لقوله: "وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد" 3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مسلم: الصلاة (432) , والنسائي: الإمامة (807 ,812) , وأبو داود: الصلاة (674) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (976) , وأحمد (4/122) , والدارمي: الصلاة (1266).
2 البخاري: الأذان (722 ,734) , ومسلم: الصلاة (415) , والنسائي: الافتتاح (921 ,922) , وأبو داود: الصلاة (603) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (846 ,1239) , وأحمد (2/314 ,2/341 ,2/376 ,2/411 ,2/420 ,2/438 ,2/440 ,2/475) , والدارمي: الصلاة (1311).
3 البخاري: الأذان (689) , ومسلم: الصلاة (411) , والترمذي: الصلاة (361) , والنسائي: الإمامة (794 ,832) والتطبيق (1061) , وأبو داود: الصلاة (601) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (876 ,1238) , ومالك: النداء للصلاة (306) , والدارمي: الصلاة (1256 ,1310).
ص -6- ويسر مأموم ومنفرد ويرفع يديه ممدودتي الأصابع مضمومة، ويستقبل ببطونهما القبلة إلى حذو منكبيه إن لم يكن عذر، ويرفعهما إشارة إلى كشف الحجاب بينه وبين ربه كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية، ثم يقبض كوعه الأيسر بكفه الأيمن ويجعلها تحت سرته ومعناه ذل بين يدي ربه (. ويستحب نظره إلى موضع سجوده في كل حالات الصلاة إلا في التشهد فينظر إلى سبابته.
ثم يستفتح سرا فيقول: (سبحانك اللهم وبحمدك) ومعنى سبحانك اللهم أي أنزهك التنزيه اللائق بجلالك يا الله. وقوله وبحمدك، قيل: معناه أجمع لك بين التسبيح والحمد. (وتبارك اسمك) أي البركة تتال بذكرك. (وتعالى جدك) أي جلت عظمتك. (ولا إله غيرك) أي لا معبود في الأرض ولا في السماء بحق سواك يا الله. ويجوز الاستفتاح بكل ما ورد.
ثم يتعوذ سرا فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وكيفما تعوذ من الوارد فحسن. ثم يبسمل سرا، وليست من الفاتحة ولا غيرها، بل آية من القرآن قبلها وبين كل سورتين سوى براءة والأنفال. ويسن كتابتها أوائل الكتب كما كتبها سليمان عليه السلام، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. وتذكر في ابتداء جميع الأفعال؛ وهي تطرد الشيطان. قال أحمد: لا تكتب أمام الشعر ولا معه.
ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية مشددة، وهي ركن في كل ركعة كما في الحديث: "لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب". وتسمى أم القرآن لأن فيها الإلهيات والمعاد والنبوات وإثبات القدر. فالآيتان الأوليان يدلان على الإلهيات، و (ومالك يوم الدين) يدل على المعاد. (إياك نعبد وإياك نستعين) يدل على الأمر والنهي والتوكل وإخلاص ذلك كله لله، وفيها التنبيه على طريق الحق وأهله والمقتدى بهم، والتنبيه على طريق الغي والضلال.
ويستحب أن يقف عند
ص -7- كل آية لقراءته صلى الله عليه وسلم. وهي أعظم سورة في القرآن، وأعظم آية فيه آية الكرسي وفيها إحدى عشرة تشديدة. ويكره الإفراط في التشديد والإفراط في المد، فإذا فرغ قال: آمين بعد سكتة لطيفة، ليعلم أنها ليست من القرآن، ومعناها: اللهم استجب، يجهر بها إمام ومأموم معا في صلاة جهرية، ويستحب سكوت الإمام بعدها في صلاة جهرية لحديث سمرة. ويلزم الجاهل تعلمها فإن لم يفعل مع القدرة لم تصح صلاته، ومن لم يحسن شيئا منها ولا من غيرها من القرآن لزمه أن يقول: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وهلله وكبره ثم اركع" 1 رواه أبو داود والترمذي.
ثم يقرأ البسملة سرا، ثم يقرأ سورة كاملة ويجزي آية، إلا أن أحمد استحب أن تكون طويلة، فإن كان في غير الصلاة فإن شاء جهر بالبسملة وإن شاء أسر، وتكون السورة في الفجر من طوال المفصل، وأوله (ق) لقول أوس: "سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاثا، وخمسا وسبعا وتسعا، وإحدى عشرة وثلاث عشرة" وحزب المفصل واحد، ويكره أن يقرأ في الفجر من قصاره من غير عذر كسفر ومرض ونحوهما.
ويقرأ في المغرب من قصاره ويقرأ فيها بعض الأحيان من طواله لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالأعراف. ويقرأ في البواقي من أوساطه إن لم يكن عذر وإلا قرأ بأقصر منه. ولا بأس بجهر امرأة في الجهرية إذا لم يسمعها أجنبي. والمتنفل في الليل يراعي المصلحة، فإن كان قريبا منه من يتأذى بجهره أسر، وإن كان ممن يستمع له جهر، وإن أسر في جهر وجهر في سر، بنى على قراءته. وترتيب الآيات واجب لأنه بالنص، وترتيب السور بالاجتهاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سنن الترمذي: كتاب الصلاة (302).
ص -8- لا بالنص في قول جمهور العلماء فتجوز قراءة هذه، قبل هذه ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها. وكره أحمد قراءة حمزة والكسائي، والإدغام الكبير لأبي عمرو. ثم يرفع يديه كرفعه الأول بعد فراغه من القراءة وبعد أن يثبت قليلا حتى يرجع إليه نفسه، ولا يصل قراءته بتكبير الركوع، ويكبر فيضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ملقما كل يد ركبة، ويمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حياله لا يرفعه ولا يخفضه، لحديث عائشة، ويجافي مرفقيه عن جنبيه لحديث أبي حميد، ويقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم لحديث حذيفة رواه مسلم، وأدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر، وكذا حكم سبحان ربي الأعلى في السجود.
ولا يقرأ في الركوع والسجود لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ثم يرفع رأسه ويرفع يديه كرفعه الأول قائلا إمام ومنفرد: "سمع الله لمن حمده" وجوبا، ومعنى سمع: استجاب. فإذا استتم قائما قال: "ربنا ولك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد" وإن شاء زاد: "أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وله أن يقول غيره مما ورد. وإن شاء قال: "اللهم ربنا لك الحمد" بلا واو لوروده في حديث أبي سعيد وغيره.
فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع فهو مدرك للركعة. ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه فيضع ركبته ثم يديه ثم وجهه، ويمكن جبهته وأنفه وراحتيه من الأرض، ويكون على أطراف أصابع رجليه موجها أطرافها إلى القبلة؛ والسجود على هذه الأعضاء السبعة ركن، ويستحب مباشرة المصلى ببطون كفيه وضم أصابعهما موجهة إلى القبلة غير مقبوضة، رافعا مرفقيه.
ص -9- وتكره الصلاة في مكان شديد الحر أو شديد البرد لأنه يذهب الخشوع، ويسن للساجد أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، ويضع يديه حذو منكبيه، ويفرق بين ركبتيه ورجليه.
ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وبنصب اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة، لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، باسطا يديه على فخذيه مضمومة الأصابع ويقول: "رب اغفر لي" ولا بأس بالزيادة لقول ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقنى وعافني" 1 رواه أبو داود.
ثم يسجد الثانية كالأولى، وإن شاء دعا فيه لقوله صلى الله عليه وسلم "وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم" 2 رواه مسلم، وله عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره" 3.
ثم يرفع رأسه مكبرا قائما على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه لحديث وائل، إلا أن يشق لكبر أو مرض أو ضعف. ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى إلا في تكبيرة الإحرام والاستفتاح ولو لم يأت به في الأولى، ثم يجلس للتشهد مفترشا جاعلا يديه على فخذيه، باسطا أصابع يسراه مضمومة مستقبلا بها القبلة، قابضا من يمناه الخنصر والبنصر، محلقا إبهامه مع وسطاه.
ثم يتشهد سرا، ويشير بسبابته اليمنى في تشهده إشارة إلى التوحيد، ويشير بها عند دعائه في صلاة وغيرها، لقول ابن الزبير: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها" 4 رواه أبو داود. فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الترمذي: الصلاة (284) , وأبو داود: الصلاة (850) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (898) , وأحمد (1/315).
2 مسلم: الصلاة (479) , والنسائي: التطبيق (1045 ,1120) , وأبو داود: الصلاة (876) , وأحمد (1/219) , والدارمي: الصلاة (1325 ,1326).
3 مسلم: الصلاة (483) , وأبو داود: الصلاة (878).
4 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (579) , والنسائي: السهو (1270) , وأبو داود: الصلاة (988 ,989) , وأحمد (4/3) , والدارمي: الصلاة (1338).